فصل: الربع الثانى : ربع العادات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **


الربع الثاني: ربع العادات

باب في الأكل والاجتماع عليه والضيافة ونحو ذلك

وآداب الأكل، منها ما هو قبله، ومنها ما هو مع الأكل، ومنها ما هو بعد الأكل‏.‏

فمن القسم الأول‏:‏ غسل اليدين قبل الأكل، كما ورد فى الحديث، لأنها لا تخلو من درن، ومن ذلك أن يوضع الطعام على السفرة الموضوعة على الأرض، فانه أقرب إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رفعه على المائدة، وهو أدنى إلى التواضع، ومن ذلك أن يجلس الجلسة على السفرة، فينصب رجله اليمنى، ويعتمد على اليسرى، وينوى بأكله أن يتقوى على طاعة الله تعالى ليكون مطيعاً بالأكل، ولا يقصد به التنعم فقط، وعلامة صحة هذه النية أخذ البلغة دون الشبع‏.‏ قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه‏"‏‏.‏ ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد يده إلى الطعام إلا وهو جائع، وأن يرفع يده قبل الشبع، ومع فعل ذلك لم يكد يحتاج إلى طبيب، ومن ذلك أن يرضى بالموجود من الرزق، ولا يحتقر اليسير منه، وأن يجتهد فى تكثير الأيدى على الطعام ولو من أهله وولده‏.‏

القسم الثانى‏:‏ فى الآداب حالة الأكل‏:‏ وهو أن يبدأ ببسم الله فى أوله، ويحمد الله تعالى فى آخره‏.‏

ومن ذلك أن يأكل باليمنى ويصغر اللقمة ويجود مضغها، وأن لا يمد يده إلى أخرى حتى يبتلع الأولى، ولا يذم مأكولاً، ومن ذلك أن يأكل مما يليه، إلا أن يكون الطعام متنوعا كالفاكهة، وليأكل بثلاث أصابع، وإذا وقعت لقمة أخذها‏.‏ ومن ذلك أن لا ينفخ فى الطعام الحار، ولا يجمع بين التمر والنوى فى طبق واحد، ولا يجمعه فى كفه، بل يضعه من فيه على ظهر كفه ثم يلقيه، وكذا كل ماله عجم وثفل، ولا يشرب الماء فى أثناء الطعام، فانه أجود فى باب الطب‏.‏

ومن آداب الشرب أن يتناول الإناء بيمينه، وينظر فيه قبل الشرب، ويمص مصاً لاعبَّاَّ، فقد روى عن على رضى الله عنه ‏:‏ مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عبا، فإن الكباد من العب‏.‏

ولا يشرب قائماً، ويتنفس فى شربه ثلاثاً‏.‏ ففى ‏"‏الصحيحين‏"‏ أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يتنفس فى الإناء ثلاثاً‏.‏ والمعنى يتنفس فى شربه فى الإناء، بأن يباعد الإناء عنه ويتنفس، لا أن يكون النفس فى الإناء‏.‏

القسم الثالث‏:‏ من آداب الأكل ما يستحب بعد الطعام، وهو أن يمسك قبل الشبع ويلعق أصابعه، وأن يسلت (1)‏ القصعة، وليحمد الله، ففى الحديث عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ‏:‏‏"‏ إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليه، ويشرب الشربة فيحمده عليها‏"‏، ويغسل يده من الغمر (2)‏‏.‏

1ـ فصل فيما يزيد من الآداب بسبب الاجتماع والمشاركة فى الأكل

من ذلك أن لا يبتدئ فى الأكل إلا إذا كان معه من يستحق التقدم لكبر سن أو زيادة فضل، إلا أن يكون هو المتبوع‏.‏ ومنها أن لا يسكتوا على الطعام، بل يتكلمون بالمعروف، ويتحدثون بحكايات الصالحين فى الأطعمة وغيرها‏.‏ ومن ذلك أن يقصد كل منهم الإيثار لرفيقه، ولا يحوج رفيقه إلى أن يقول له‏:‏ كل، بل ينبسط ولا يتصنع بالانقباض‏.‏ ومن ذلك أن لا ينظر إلى أصحابه حالة الأكل لئلا يستحيوا‏.‏ ومن ذلك أن لا يفعل ما يستقذره من غيره، فلا ينفض يده فى القصعة، ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة فى فيه، وإذا أخرج شيئاً من فيه ليرمى به، صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره، ولا يغمس اللقمة الدسمة فى الخل، ولا الخل فى الدسمة، فقد يكرهه غيره، ولا يغمس بقية اللقمة التى أكل منها فى المرقة‏.‏

2ـ فصل ‏[‏فى تقديم الطعام إلى الإخوان‏]‏

ويستحب تقديم الطعام إلى الإخوان، روى ذلك عن على رضى الله عنه قال‏:‏ لأن أجمع إخوانى على صاع من الطعام أحب إلى من أن أعتق رقبة‏.‏ وكان خيثمى رحمه الله يصنع الخبيص والطعام الطيب، فيدعو إبراهيم والأعمش ويقول‏:‏ كلوا، فما صنعته إلا لكم‏.‏ ويقدم ما حضر من غير تكلف، ولا يستأذنهم فى التقديم، بل يقدم من غير استئذان، ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده‏.‏ ومن آداب الزائر أن لا يقترح طعاماً بعينه، وإن خير بين طعامين اختار أيسرهما، إلا أن يعلم أن مضيفه يسر باقتراحه، ولا يقصر عن تحصيل ذلك، فقد نزل الشافعى رحمه الله على الزعفرانى، وكان الزعفرانى يكتب كل يوم رقعة بما يطبخ من الألوان، ويسلمها إلى الجارية، فأخذ الشافعى الرقعة وألحق فيها لونا آخر، فلما علم الزعفرانى اشتد فرحه‏.‏

3ـ فصل ‏[‏لا تدخل على قوم يأكلون‏]‏

ولا ينبغى لأحد إذا علم أن قوماً يأكلون أن يدخل عليهم، فإن صادفهم من غير قصد، فسألوه الأكل، نظر، فإن علم أنهم إنما سألوه حياء منه، فلا يأكل، وإن علم أنهم يحبون أكله معهم، جاز له أن يأكل‏.‏ ومن دخل دار صديقه فلم يجده وكان واثقاً به عالماً أنه إذا أكل من طعامه سر بذلك، جاز له أن يأكل‏.‏

4ـ فصل ‏[‏فى آداب الضيافة‏]‏

ومن آداب الضيافة، أن يقصد بدعوته الأتقياء دون الفساق، وقال بعض السلف‏:‏ لا تأكل إلا طعام تقى، ولا يأكل طعامك إلا تقى ‏‏.‏ وينبغى أن يقصد الفقراء دون الأغنياء‏.‏

وينبغى أن لا يهمل أقاربه فى ضيافتهم، فان إهمالهم يوجب الإيحاش وقطيعة الرحم‏.‏ وكذلك يراعى الترتيب فى أصدقائه ومعارفه، ولا يقصد بدعوته المباهاة والتفاخر، وبل استعمال السنة فى إطعام الطعام واستمالة قلوب الإخوان، وإدخال السرور على قلوب المؤمنين، ولا يدعو من يعلم أنه تشق عليه الإجابة، أو إذا حضر تأذى بالحاضرين بسبب من الأسباب‏.‏

وأما آداب الإجابة، فان كانت دعوة عرس، فالإجابة عليها واجبة إذا دعاة المسلم فى اليوم الأول، وإن كانت لغيره فهى جائزة، ثم ينبغى أن لا يخص الغنى بالإجابة دون الفقير، ولا يمتنع من الدعوة لكونه صائماً، بل يحضر، فان كان تطوعاً وعلم أن فطره يسر أخاه المسلم فليفطر‏.‏

فأما إن كان الطعام حراماً فليمتنع من الإجابة، وكذلك واجبة إذا دعاه المسلم فى اليوم الأول، وإن كانت لغيره، فهى جائزة، ثم ينبغى، أن لا يخص الغنى بالإجابة دون الفقير، ولا يمتنع من الدعوة لكونه صائماً، بل يحضر، فان كان تطوعا وعلم أن فطره يسر أخاه المسلم فليفطر‏.‏

فأما إن كان الطعام حراماً فليمتنع عن الإجابة، وكذلك إذا كان ثمة فرش محرمة، أو إناء محرم، أو مزمار أو صورة، وكذلك إذا كان الداعى ظالماً أو فاسفاً أو مبتدعاً أو مفاخراً بدعوته‏.‏

وينبغى أن لا يقصد بالإجابة إلى الدعوة نفس الأكل، بل ينوى به الاقتداء بالسنة، وإكرام أخيه المؤمن ، وينوى صيانة نفسه عمن يسئ به الظن، فربما قيل عنه إذا امتنع‏:‏ هذا متكبر‏.‏

وينبغى أن يتواضع فى مجلسه إذا حضر، ولا يتصدر، وإن عين له صاحب الدار مكاناً لم يتعده، ولا يكثر النظر إلى المكان الذى يخرج منه الطعام، فإنه دليل على الشره‏.‏

5ـ فصل ‏[‏في آداب إحضار الطعام‏]‏

وأما إحضار الطعام فله خمسة آداب‏:‏

الأول‏:‏ تعجيله، فذلك من إكرام الضيف‏.‏

الثانى‏:‏ تقديم الفاكهة أولاً قبل غيرها، وذلك أصلح فى باب الطب، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وفاكهة مما يتخيرون *ولحم طير مما يشتهون‏}‏ ‏[‏الواقعة ‏:‏20،22‏]‏‏.‏

ثم أفضل ما يقدم بعد الفاكهة اللحم، خصوصاً المشوى، ثم أفضل الطعام بعد اللحم الثريد، ثم الحلوى، وتتم هذه الطيبات بشرب الماء البارد، وتكملة الأمر صب الماء الفاتر على اليد عند الغسل‏.‏

الثالث ‏:‏ أن يقدم جميع الألوان الحاضرة‏.‏

الرابع ‏:‏ أن لا يبادر رفعها بل يمكنهم من الاستيفاء حتى يرفعوا أيديهم‏.‏

الخامس‏:‏ أن يقدم من الطعام قدر الكفاية، فإن التقليل من الكفاية نقص فى المروءة‏.‏

وينبغى أن يعزل لأهل البيت نصيبهم قبل تقديم الطعام، فإذا أراد الضيف الانصراف ينبغى أن يخرج معه إلى باب الدار، فإنه سنة، وذلك من إكرام الضيف ومن تمام الإكرام طلاقة الوجه، وطيب الحديث عند الدخول والخروج وعلى المائدة‏.‏

وأما الضيف فينبغى أن يخرج طيب النفس وإن جرى فى حقه تقصير، فذلك من حسن الخلق والتواضع، ولا يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه، ويراعى قلبه فى قدر الإقامة‏.‏